تدفق نهر التاريخ الى اين ؟!

نور الهدى

مشرفة المنتدى العام
السسلاآم عليكمم ورحمهة اللهه وبرركآأتهه

تدفق نهر التاريخ الى اين ؟!
تاريخ البشرية ماضٍ وحاضرٌ واستشراف للمستقبل، والتُّخوم الفاصلة بين هذه الأدوار تكاد تكون ذائبة، والماضي يعيش فينا ولا نستطيع إنكارَه، والمستقبل فينا كالماضي سواء بسواء، إنها أضلاع الزمان الثلاثة التي لا تنفصل.

وعندما يتم الضغط على الماضي وحده، تصاب الأمةُ بمرض الغياب التاريخي، كما أن الضغط على الحاضر - دون وعي بالماضي والمستقبل - غيابٌ عن الذات، ومغامرة بالحضارة كلها في رحلة ضياع لسفينة بعُدتْ عن معالمها الثابتة!

• • •

[*]كل الأحجار في التاريخ شواهدُ ناطقة، تحكي قصة قوم كانوا هنا وصنعوا شيئًا، ولم توجد بعدُ أحجارٌ صامتة، ومن العبث أن نحاول إخراس أصوات الماضي التي تخاطب عقولَنا ووعينا التاريخيَّ الفطري، الذي يقول لنا: إننا جنس خاص، إنسان تاريخي، كائن يموت أفراده، وتموت بعض شرائحه، لكنه باقٍ إلى اللحظة الحاسمة القارعة!

• • •

في أحقاب متفاوتة من التاريخ الإنساني وَضَعت العنايةُ الإلهية شاراتٍ ثابتةً، تأخذ بيد كل حضارة تريد الإقلاعَ من جديد نحو الإنسانية النقية.

قدم لنا أبونا آدم أول شارة حين أخطأ وتاب؛ فإدراك الخطيئة، والإقلاع عنها - خاصة إنسانية متفردة.

وقدم هابيل الشارةَ الثانية حين رفض أن يكون القاتلَ، ورضِيَ أن يكون المقتول، في سبيل المبدأ.

وقدم كلُّ نبي شارة أخرى، هي خلاصة حياته ودعوته.

إن هذه الشارات التي بدأت بآدم ثم نوح، وإبراهيم... وانتهت بمحمد - عليهم السلام - هي معالم الهدى في التاريخ، وكلها ذات جوهر واحد: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ﴾ [نوح: 3]، والخلاف بينها في التفاصيل الملائمة لحياة الإنسان عبر التاريخ.

والانحراف في تاريخ الإنسانية جاء من ابتعادها عن هؤلاء الهداة العظماء.

إنها اصطرعت بعيدًا عنهم، وتصارعت باسمهم بعيدًا عنهم، وتصارعت باسمهم بعيدًا عن الحوار الباحث عن الحق، ودفعت أجيالاً كاملة لرفضهم، واخترعت النظرياتِ ضدهم.

ولن يعود التاريخُ إنسانيًّا إلا إذا انصهر العقل في بُوتقتهم؛ ليكون عقل إنسان لا عقل شيطان!

أجل؛ إن في تيار التاريخ تصاميم سابقة وثابتة، لكنها لا تَحُولُ - ولم تَحُلْ - دون الإبداع، إنها معالم حتى لا تتوه الإنسانية في الصحراء!

في نهر التاريخ يتدفَّق الماضي موصولاً بالحاضر والمستقبل، وتظهر القداسة في بعض العصور كما تظهر النجوم العالية التي يسترشد بها الملاَّحون في الليالي الطويلة المظلمة؛ فليست البشرية بمجموعها مقدسة، كما أن هذه الإنسانية ليست مجموعة حيوانات مفترسة، إنها هذا وذاك، إنها - أصلاً - ﴿ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾، لكنها في أكثر مراحل التاريخ: في ﴿ أَسْفَلِ سَافِلِينَ ﴾، وستتبادل البشريةُ هذه الأدوار المتعاقبة إلى يوم القيامة.

وعندما يتآمر بعض المنسوبين إلى الإنسانية، فيحاول تحطيم فترات القداسة والمثال، فإنهم يسعون - بوعي أو بغير وعي - لقيادة الإنسانية إلى نسبية كاملة، وإلى ليل طويل معتم، لا نجوم فيه، وستغرَق السفينة لا محالة؛ فالعقل والبصر لا يُغْنِيان عن إشارات البصيرة الثابتة، وكواكب الحقيقة!
• • •

كانت البشرية لا شيء، عدمًا لا ذِكر له، أحيتْها العناية الإلهية، وسوف تُميتها بعد سلسلةِ حضارات متصارعة، ثم تحييها ليوم الحساب الأخير؛ فهكذا كانت لها بداية، وكان لها سياق وجود حي، هو هذا التاريخ وهذه الحضارات، ثم سيكون لها رجعة إلى الله للحساب النهائي.

لا استمرار أبدي، بل هي رحلة مغلقة، لها بداية ونهاية، بطلُها الإنسانية، ولن تكون هذه الرحلة عبثًا باطلاً.

فالعناية الإلهية لا تخلق للَّهو ولا للعب، وحاشاها، إنها أعظمُ مِن أن تجعلنا دُمًى، أو قِطَعَ شِطْرنج، إن لنا وجودًا بقدر مسؤوليتنا، إننا مكلَّفون بمهمة خالدة.

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 16 - 18].

والحق "رسالة الأنبياء" حُداة القافلة الإنسانية وهُداتها.

وفي النهاية تنتهي فصول الكتاب والملحمة: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].

فالغاية الإنسانية محتومة، والمصير محكوم بأعمال الناس، وبفاعلية الإنسان الإيجابية الصالحة في التاريخ: ﴿ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ [الأنبياء: 94]، لكن إذا انتهت دورة تاريخية وأُغلق الستار، فمُحالٌ أن يعود أصحابها قبل يوم البعث: ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 95].

إنهم مسؤولون، لقد كانوا أحرارًا، وكانت لديهم شارات الطريق، وشروط الصلاحية، ومؤهلات البقاء، لكنهم صَدَفوا عن كل ذلك، واعتمدوا على أبصارهم المحدودة، وعقولهم المكبَّلة بإطار وعي الزمان والمكان، وخبرة الجيل الواحد؛ فاستحقوا الموت.

لقد استَمْرَؤوا أن يكونوا مستهلكين في التاريخ، مجرد موضوع من موضوعاته، ولم يرتفعوا إلى مستوى خلافة الله في صناعته، وتسخير كونه، لقد عاشوا في دائرة الذات والمطالب الجسدية، ولم يهتموا بالمطالب الرُّوحية، ولا بغايات الوجود.

 
يًعُطٌيًڳّ أِلًفِ أُلًفِ ۶ـأًفُيٌهَ

مًوٌضًوَعً رَأِأٌأِئعً

وِجِهُوًدُ أِرُۇۈۉع

نُنَتُظِرّ مَزِيًدَڳُ

بِشّوُۇۈۉوّقِ
 
أعلى